في اطار منهج (خم) القراء أو “السواقة بالخلا” كما هو المصطلح السائد حديثاً يستطرد وكيل صلاح قوش، المدعو محمد وداعة، في بسط ادعاءات ومزاعم لا تتسق مع المنطق ولا يقبلها العقل اعتماداً على ان عامة الناس، بل وحتى الحاصلين على مؤهلات متميزة خارج حقول الاقتصاد والتجارة وآليات إدارة الدولة، قد لا يتمكنون من استيعاب دقائق وتفصيلات تلك الادعاءات والمزاعم.
من شواهد ذلك ما أورده وداعة عن مبلغ أربعين مليون دولار قال ان الفريق طه عثمان قام بتحويلها من حسابه الشخصي في بنك زعم ان اسمه بنك كون بك، وذلك لتمويل صفقة قمح! ولم يتكرم علينا الرجل بأي معلومة عن بنك كون بك هذا: في أي بلد يقع، واين مقره ورئاسته، وماهي جنسيته؟ والتعريف بمثل بنك كون بك هذا أمر شديد الأهمية كونه البنك الوحيد في العالم الذي يسمح بتحويل أربعين مليون دولار من حساب شخصي الى حساب آخر في معاملة واحدة كما أفادنا وداعة وفق روايته المنشورة!
والذي يثير العجب في أمر هذا الإدعاء الجسور هو أن راعي الضأن في خلاء الاقتصاد السوداني يعرف ان القمح في السودان سلعة مدعومة، وأن تغطية تكاليف استيراده ظلت، عبر العقود والحقب، تتم على نظام التقسيط من خلال اتفاقيات مع الدول والمؤسسات خارج السودان، وليس نقداً. والكذبة البلقاء، او لعلها القنبلة الانشطارية، التى ألقاها محمد وداعة والتي تتعارض رأسياً وأفقياً مع بديهيات ما هو معلوم بالضرورة في مجال التعامل مع مثل هذه السلع الاستراتيجية تنهض دليلاً آخر على قلة محصول الرجل من المعرفة في الحقل الذي أقحم نفسه عليه وهو ينقل عن الآخرين بغير علم ولا هدى.
ثم يمضي الرجل المتكذّب المتهجم الى اسطورة بنك الخليج فينسب الى طه عثمان قصص وحواديت ليس لها مع الحقيقة نسب ولا من الواقع أصل. والحقيقة العارية من أمر بنك الخليج أنه استثمار عربي، شأنه شأن غيره من الاستثمارات، يخص رجل الأعمال الأماراتي عبدالجليل البلوكي. وقد استوفى هذا المستثمر كل الشروط والمتطلبات التي وضعها بنك السودان المركزي فنال تصديقاً بإنشاء البنك تماماً مثلما نال غيره من المستثمرين المؤهلين المستوفين الذين سبقوه ذات التصاديق. ولا صلة للفريق طه عثمان بهذا البنك لا من قريب ولا من بعيد سوى أنه قام، كما قام عشرات بل مئات غيره، بتلبية دعوة كريمة لحضور حفل افتتاح البنك.
وليست هناك ذرة واحدة من الحقيقة في الرواية التي ألفها خادم سيده المتكذّب من أن السيد/ عبدالرحمن حسن محافظ بنك السودان آنذاك رفض المصادقة على إنشاء البنك وأن طه عثمان استصدر قراراً بعزله وتعيين المرحوم حازم عبدالقادر الذي وصفه بأنه (صديقه)، وان هذا الصديق هو الذي قام بالتصديق على إنشاء البنك، وان ذلك كان في الأساس الغرض من تعيينه!
وقد أقسم الفريق طه عدة مرات أمام خلصائه والمقربين اليه ممن ساءلوه عن الأمر، قسماً مغلظاً، أنه لم يكن قط صديقاً للمرحوم حازم عبدالقادر بل ولم يتعرف عليه إلا بعد تعيينه محافظاً. بيد أن النقطة الأكثر أهمية في جدال التضليل والافتراء هذا هي ان السيد/ حسن عبد الرحمن المحافظ السابق للبنك المركزي لم يكن معارضاً او رافضاً للمصادقة على إنشاء بنك الخليج كما يشيع وداعة وقوش، بل انه هو شخصياً من قام بالمصادقة واصدار قرار الموافقة وليس المرحوم حازم عبد القادر!
ويمضي المتهجّم، ظِل سيده ومخدمه، محمد وداعة فيفجعنا بأكذوبة أخرى يزعم فيها ان رئاسة الجمهورية كانت تملك وتدير حساباً سرياً خاصاً يتحكم فيه طه عثمان بغير علم الأمانة العامة للقصر الجمهوري. وكانت لجنة تفكيك التمكين قد سبقت وداعة الى هذه الفرية وأوردتها في احدى مؤتمراتها الصحفية الاستعراضية. ولم تمض سويعات حتى خرج الدكتور فضل عبدالله فضل وزير شئون الرئاسة في آخر حكومات الانقاذ ببيان مطول فصّل فيه تفصيلا فلم يترك شاردة ولا واردة من أمر ذلك الحساب الخاص إلا وأوفاها تشريحاً وتوضيحاً، وأصابت هاء السكت لجنة تفكيك التمكين بعد ذلك فلم تعد الى الأمر أو تطرقه مرة اخرى. ولولا (الصناجة) التي أعيت من يداويها لما عاد وداعة وقوش الى تلك الرواية الخائبة الموتورة بعد ان ماتت وقُبرت وهجرها مخترعوها الأوائل!
والحقيقة هي أن الحساب بالرقم ٢٦١٦ ليس حساباً شخصياً سرياً، بل هو رقم الحساب الخاص برئيس ورئاسة الجمهورية، وظل كذلك على توالي العقود والحقب منذ استقلال السودان. ويقتصر الصرف من هذا الحساب على نثريات رئاسة الجمهورية ومنصرفات المهام الرئاسية الداخلية والخارجية بما هو متاح لرئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه من صلاحيات منصوص عليها في الدستور والقانون. وهي ذات الصلاحيات التي انيطت بكاملها بالسادة رئيس واعضاء المجلس العسكري الانتقالي ثم مجلس السيادة. ولا يزال هذا الحساب الخاص فاعلاً وتدفع منه نثريات المأموريات للمهام الداخلية والخارجية ومقابلة كافة أوجه الصرف في المهام الرئاسية.
وهذا الحساب تخصيصاً تمت مراجعته والتوقيع عليه ضمن اجراءات التسليم والتسلم، وذلك بعلم وتوقيع الفريق اول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري وقت التسليم بعد أن قامت لجنة تم تشكيلها من وحدة التفتيش المالي بوزارة الدفاع بمراجعة الحساب وأوجه الصرف ومطابقة الأرصدة وشهدت هذه اللجنة كتابةً بصحة ودقة جميع المعاملات والحسابات.
هذه هي الحقائق جهيرة ساطعة، تلمع تحت وهج الشمس، يشهد عليها الشهود وتنطق بها الأحبار على الأوراق .. ثم ماذا نقول بعد ذلك؟
حربنا على افتراءت وأضاليل قوش وتابعه وداعة ما زالت قائمة بمشيئة الله.