قضايا الساعة| موقع السودان من صراع النفوذ الغربي-الروسي.. كيف سيواجه السودان بقيادة البرهان التحدي؟

موقع السودان من صراع النفوذ الغرب-الروسي..

كيف سيواجه السودان بقيادة البرهان التحدي؟

منتصف ديسمبر الماضي أعلنت فرنسا انتهاء سحب جنودها من افريقيا الوسطي، وقبلها في أغسطس 2022 انسحبت القوات الفرنسية من جمهورية مالي بعد فشل عملية “برخان” التي أطلقتها فرنسا ضد الجهاديين في منطقة ساحل الأطلسي، وقد فتح رحيل الفرنسيين من أجزاء واسعة في دول الساحل الأفريقي الباب أمام روسيا ، لتعزز وجودها الأمني في تلك الدول كما هو الحال في موزمبيق ، ليبيا ، غينيا، مدغشقر وجمهورية مالي .

 

يشكل السودان، بموقعه الجيوسياسي، أهمية استراتيجية وحيوية للغرب ولروسيا في نفس الوقت، فهو يعد المنفذ الوحيد لست دول أفريقية نحو البحر الأحمر بشريط ساحلي يبلغ أكثر من سبعمائة كيلومترا.

 

بدأ التنافس حول البحر الأحمر يشتد بعد الاتفاق الروسي- السوداني في 2020 الذي يدعم تأسيس قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان تستوعب 300 جندي، ومن قبل اتفاق التعاون الأمني والعسكري في 2019 لمدة 7 سنوات الذي يسمح للسفن والطائرات الحربية الروسية باستخدام المطارات والموانئ السودانية. الإتفاق الذي أغضب الولايات المتحدة والغرب بشكل لافت فهو يضيف موطئ قدم بحري جديد لروسيا إضافة لمحطة مدغشقر وميناء طرطوس بسوريا.

 

في يناير 2021، زار نائب قائد القوات الامريكية في افريقيا (أفريكوم) السفير أندرو يونغ السودان بصحبة الادميرال هايدي بيرغ، مدير الاستخبارات في أفريكوم، وعقد وفد افريكوم سلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين السودانيين على رأسهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان وذلك بهدف تعزيز التقارب بين الولايات المتحدة والسودان في عدد من القضايا مثل الإرهاب ، ويبدو السودان بمثابة نقطة انطلاق في السياسة الامريكية تجاه المنطقة من أجل تحجيم الدور الروسي الذي تمدد بشكل قوي خلال السنوات الأخيرة في المنطقة ، ومن المعلوم فإن أهم أهداف تأسيس قيادة أفريكوم هو احتواء تصاعد النفوذ الروسي في أفريقيا وتأمين الوصول إلى الموارد والثروات الأفريقية خاصة النفط، ودعم الأنظمة الموالية لواشنطن ، ويضاف لذلك التحذير الأمريكي من التقارب السوداني الروسي ففي شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، في فبراير 2022، حذَّرت مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الإفريقية، مولي فيى، من أن انتصار روسيا في السودان يعني عواقب إنسانية وخيمة في منطقة القرن الإفريقي، ملمحة إلى أن واشنطن تسعى لإعادة صياغة سياستها إزاء الخرطوم بحيث تكون مبنية على أساس مواجهة موسكو.

 

عقب إجراءات 25 أكتوبر 2021 صرَّح نائب ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، بأنه من الصعب القول ما إذا كان هذا انقلابًا أم لا باعتبار أن هناك أحداثًا مماثلة وقعت في مناطق أخرى في العالم دون أن يُطلق عليها اسم انقلاب ، كما أرجع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حالة عدم الاستقرار في السودان إلى الأعمال المزعْزِعة للاستقرار من قبل القوى الغربية والتي أدت إلى تآكل وحدة أراضي البلاد .

في ظل تلك المتغيرات لا زال وضع السودان أقرب للموقف الغربي، ورغم تنامي الدور الروسي في أفريقيا، فإن مستقبل الاستقرار السياسي مرتبط بالتأثيرات الإقليمية من دور الجوار العربي والافريقي وهي دول مفتاحية في توجيه الدعم الدولي والذي يحتاجه السودان ، لذلك كانت زيارات البرهان الخارجية الأخيرة، تسعى لبناء علاقة راسخة مع الولايات المتحدة عبر المحور الخليجي-المصري-الاسرائيلي وعلاقة متزنة مع روسيا بما لا يؤثر على التوازنات بين الدولتين-أمريكا وروسيا- ولا يؤثر على الاستقرار في الدول الأفريقية ذات الحدود المشتركة مع السودان خاصة أفريقيا الوسطى والتي تشهد حالة من عدم الاستقرار دعت السلطات لإغلاق الحدود البرية بينها وإقليم دارفور.

 

موقف الحياد الإيجابي الذي أتخذه السودان من الحرب الروسية-الأوكرانية وهي في نهاية التحليل مواجهة دولية بين الغرب وروسيا، هذا الموقف السوداني لا ينفصل عن الموقف الأفريقي العام وكذلك مواقف الدول العربية عدا سوريا بطبيعة الحال، وربما لم يرضى الغرب بهذا الحياد وينتظر المزيد وربما كانت روسيا تنتظر موقفا داعماً ولكن الدول الأفريقية والعربية -ومن بينها السودان- لديها حساباتها الدقيقة والحرجة ولا تريد التورط في المستنقع الأوكراني المكلف.

 

تفاعل القيادة السياسية في الخرطوم، ولا سيما رئيس مجلس السيادة، مع ملف العلاقات الخارجية-خاصة مع الغرب وروسيا- يتسم بالمرونة ففي زيارته للأمم المتحدة ألتقى البرهان بوزير خارجية روسيا سيرجي لافروف ومع ذلك دعا البرهان روسيا إلى حل قضيتها مع أوكرانيا بالحوار لا الحرب، كما أن البرهان يلتزم بعلاقة وثيقة مع الإدارة الأمريكية دون أن تدفعه هذه العلاقة لموقف سياسي معزول عن محيطه العربي والأفريقي الذي-كما أشار المقال- يلتزم جانب الحياد الإيجابي تجاه الصراع الروسي-الغربي.

المصدر: المرصد السوداني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.