في العام 1985 ضرب زلزال قوته 8 ريختر مكسيكو سيتي، ورسميا تم استخراج خمس تلاف جثة، لكن العدد الاجمالي للضحايا اللي دفنوا تحت الانقاض أو تم تقييدهم كمفقودين ترواحت تقديراتهم من عشرة تلاف لغاية خمسة وأربعين ألف. معظمهم طبعا من سكان العشوائيات المحيطة بالمدينة. لم يكن لدى الحكومة المكسيكية فرق انقاذ مدربة، بل ورفضت في البداية عرض بالمساعدة من الولايات المتحدة، أما فرق الاطفاء فالرواية الشعبية تقول أنهم بايعاز من رجال الاعمال كانوا معنيين باستخراج ماكينات المصانع من تحت الانقاض أكتر من البحث عن ناجين.
كانت تبعات الكارثة كبيرة وطويلة المدى، فقد الحزب الحكم قبضة طويلة على الحكم، واجتمع عشرات الألوف من المكسيكيين وسلموا عريضة للرئيس تطالب بوضع قواعد جديدة تشاركية وشعبية لإعادة الإعمار وإعادة تخطيط وبناء المدينة، وهو ما تم. صممت العاصمة نظام أنذار مبكر ضد الزلازل يشبه نظام انذار الغارات. وبالصدفة قبل شهر ونص، وأنا هناك، شاهدت كيف تعمل المنظومة المعقدة والسريعة للاستجابة للزلازل على اثر هزة أرضية خفيفة، لم يتم الاخلاء فقط لكن في الحال كانت الطيارات الهليكوبتر في السماء تمسح الاحياء السكنية وفرق بعضها متطوع تتنقل ما بين المباني للتأكد من سلامتها قبل عودة السكان ليها، كل عام وفي ذكرى الزلزال تضرب صفارات الانذار في المدينة كلها، ويقوم جميع السكان باخلاء منازلهم، تدريب جماعي على احتياطات الأمان لكنه نوع من الذكرى والطمأنة الجماعية أيضا أن الكارثة لن تتكرر أو لن يسمح لها أبداً أن تتكرر.
بعد زلزال 1985، واثناء البحث عن ضحايا شكل مجموعة من المتطوعين من سكان حي تلاتيلولكو الفقير، فرقة للانقاذ باسم “حيوانات خلد تلاتيلولكو”، لاحقا اصبحت الفرقة محترفة، ويسارع اعضائها للسفر على نفقتهم الخاصة للمساعدة في عمليات الانقاذ حول العالم. لكن اعضاء الفرقة ظلوا من الفقراء اللي لا يمكنهم تحمل نفقات السفر. في قصة شهيرة، وبعد تسونامي 2004 اللي ضرب اندونيسيا، وصل عدد من أعضاء الفريق بعد أن قطعوا جزء طويل من المسافة إلي سانغفورة ونفذت أموالهم، وكادوا الا يصلوا لوجهتهم، لولا أن أحد الاشخاص سمعهم بيتكلموا بالصدفة، وتبرع بتمن تذاكر الطيارة حتى اندونيسيا. يحكي المكسيكيون بفخر قصة فريق “خلد تلاتيلوكو”، وكيف حولوا اسم حيهم المقترن بمذبحة ارتكبتها الديكتاتورية العسكرية ضد المدنيين، وحولوا تجربة الزلزال المروعة، إلى قصة ملهمة للمحبة والتضامن والتضحية والتفاني.
على الارجح، بعض من شباب تلاتيلولكو وصلوا الآن لتركيا بالفعل، أن تجد رحلة جوية لاستنبول أمر أكيد أسهل بكتير من أن تحجز طائرة لدمشق. لكن ليس هذا هو كل شيء، السؤال هو كيف أو متى يمكن للأهوال التي تصيب السوريين أن تتوقف، حتى يستطيع البعض من عشرات الالوف من السوريين اللي حفروا الركام بأيديهم على مدى عقد وأكثر باحثين عن ناجين، أن يتاح لهم هذه الرفاهية، أي أن يجولوا في العالم ليقدموا تضامنهم ويبدلوا شقائهم بمحبة، وهم بيمدوا يد العون نحو آخرين؟