درجت الحكومات المركزية المتعاقبة منذ الاستقلال على التعامل مع مكونات أقصى شرق البلاد باعتبارها الممثل الوحيد للإقليم ، دون اعتبار للمكونات الأخرى ( الشرق الأوسط ) رغم ثقلها السكاني والاقتصادي الذي يرتكز على الإنتاج الزراعي الوفير ( القضارف والرهد وحلفا ) .. وقد نتج عن هذا الاختلال أن استأثرت مكونات أقصى الإقليم بنصيبه في السلطة على ضآلته ( نصيب الجنوب قبل الانفصال ) ولا نقول الثروة حيث لم يستفد الإقليم حتى اليوم من ثرواته الكامنة أو تلك المستغلة التي تدر المليارات للخزينة العامة ولا يمنح منها إلا الفتات .. وقد حدا هذا الظلم البائن بأحد الساخرين إلى القول إن حكومات البلاد منذ الاستغلال لم تمنح الإقليم الذي يعاني من ثالوث الجهل والفقر والمرض سوى إنعامها عليه بعبارة ” شرقنا الحبيب ” وتظن بذلك أنها لم تقصر أبدا في واجبها تجاه أهله ما داموا أحبتها .. أو قريب من ذلك كما فهمت .
أمس أعلنت الآلية الثلاثية، عن بدء الإجراءات الأولية لعقد مؤتمر خارطة طريق للاستقرار السياسي والأمني والتنمية المستدامة بشرق السودان في الفترة من 12 إلى 15 فبراير الجاري بالخرطوم. وغني عن القول إن المؤتمر الذي طال انتظاره يأتي لتصحيح الأخطاء التي نتجت عن اختطاف مكون واحد لمسار الشرق في سلام جوبا ، وما تبع ذلك من رفض واسع لنتائجه ، أجبر الحكومة على إعادة النظر في المسار والترتيب للمؤتمر المرتقب .
الخطوة الأولى لنجاح مؤتمر خارطة الطريق الوشيك أن تشمل الدعوات للمشاركة في الورش التحضيرية ومن بعدها المؤتمر ذاته جميع أصحاب المصلحة بالإقليم الغني/ الفقير من حلايب وحتى الخياري ، ليطرح الجميع مشاكلهم وقضاياهم ويرسمون معا خارطة الطريق التي توصل إلى الاستقرار السياسي و تحقق الأمن والتنمية المستدامة .
بدون ذلك تكون الحكومة قد سارت على خطى الحكومات السابقة ورسخت الإحساس الآخذ في التنامي بوجود شرقين ، وأضاعت سانحة عظيمة لحل قضية الإقليم جذريا ، وكررت ما فعلته من قبل وأنتجت نسخة ثانية من سلام جوبا “جوبا ٢” ، وعرضت الإقليم – الذي تحاصره الأطماع الإقليمية – لمزيد من مخاطر التقسيم .