بلغني قبل قليل وفاة الفريق عبدالرحمن سعيد ، نائب رئيس الأركان عمليات في عهد الديمقراطية الثالثة ( 1986-1989 ) كنت أعرفه معرفة وثيقة ، قابلته لأول مرة في جوبا عام 1986 عندما كان قائدا للمنطقة الاستوائية وكنت وقتها اعمل محررا في جريدة ( الأضواء ) لصاحبها محمد الحسن أحمد
تحدث معي بشفافية عالية وكشف لي كيف ان الجيش يتخلص من الأسري وكيف ان رؤيته تتجه الى حتمية انفصال جنوب السودان ، امتدت علاقتي به عندما تم تعيينه في نفس العام نائبا لرئيس هيئة الأركان عمليات ، وفي فبراير عام ١٩٨٩ اسهم بقدر كبير في توجيه هيئة القيادة لتوجيه مذكرة لرئيس الوزراء الصادق المهدي ، وهي تلك المذكرة التي أحدثت زلزالا سياسيا مدمرا وهيئت الساحة للانقلاب الذي نفذته الجبهة الإسلامية في يونيو 1989
الفريق عبدالرحمن سعيد من دنقلا العجوز وتربطه علاقات قرابة وثيقة بمجموعة الدناقلة في مجلس قيادة الإنقاذ ومنهم الزبير محمد صالح والذي كان يقيم في منزله خلال فترة دخوله الى القوات المسلحة أواخر الستينات من القرن الماضي وتوسط الزبير الى اطلاق سراحه بعد نحو أسبوع من اعتقاله عشية انقلاب الجبهة الإسلامية ذهبت اليه في منزله داخل منطقة المهندسين العسكرية واستقبلني بحفاوة واطلعني على معلومات خطيرة حول ترتيبات الاستيلاء على السلطة التي قامت بها قيادة الأركان وكيف أنهم أعدوا البيان الأول وكان توقيت التحرك هو 1989/7/7 غير انهم تفاجئوا بانقلاب العميد عمر حسن احمد البشير، استأذنته في النشر ، فوافق ولكنه طلب مني اطلاعه على التقرير قبل ارساله الى جريدة الراية في قطر ( كنت وقتها مراسلا للجريدة من الخرطوم ) ولكن لظروف قاهرة لم أتمكن مطلقا من مقابلته وقمت بإرسال التقرير الى الجريدة لأجد نفسي في مواجهة بطش النظام وتم استدعائي للتحقيق.
بعد ذلك بشهرين تم اعتقال الفريق سعيد، على خلفية شكوك لمحاولة انقلابية لم تكتمل فصولها، واطلق سراحه فذهب الى القاهرة ليعلن من هناك عن تشكيل ما اطلق عليه (القيادة الشرعية للقوات المسلحة)
وعندما ذهبت الى القاهرة بعد استحالة العمل الصحفي من الخرطوم عقب غزو العراق للكويت 1990 ومساندة نظام البشير لصدام حسين، اكتشفت ان الفريق سعيد غاضب مما نشرته وقتها عن تخطيطه لانقلاب على الديمقراطية وبدأت اسمع من بعض المقربين منه، انه يتهمني بأنني مبعوث من النظام للتجسس علي المعارضة.
الغريب في الأمر انه وبعد عودتي الى السودان وبدء مسلسل الاستدعاءات الى جهاز الأمن كلما كتبت تقريرا يكشف عن سوءات النظام وانتهي ذلك المسلسل باعتقالي عام 1996 كان السؤال الأول الذي يوجهه لي ضابط التحقيق ( ماهي علاقتك بالفريق عبدالرحمن سعيد )
ظلت علاقتي سيئة بالنظام حتى لحظة انقشاعه عن سماء السودان، أما الفريق عبدالرحمن سعيد فقد تصالح مع النظام عام 2006 وعاد الى السودان وزيرا ، ولكنه في عام 2022 ادلى بشهادته في محكمة انقلاب الإنقاذ غير ان الشهادة تم التشكيك فيها لأن الشاهد تصالح سابقا مع المتهمين واعترف بالنظام الذي تلى الانقلاب.
يا لها من قصص،،، تنتهي فقط بنهاية الحياة