أمير تاج السر: أكتب لقارئ عربي

الخرطوم: future21

 

بداية، ماذا عن البيئة التي نشأت فيها، والتي أسهمت في تكوين ثقافتك، خاصة أن البدايات في رحاب الكتابة جاءت مبكراً؟

أمير تاج السر في إحدى الندوات

– ولدت في شمالي السودان، ونشأت في مدينة بورتسودان شرقي السودان، وانتقلنا بحكم عمل الوالد بضع سنوات في الخرطوم ومدينة الأبيض، إلى غربي السودان، لكن، دائماً ما نعود إلى مدينة بورتسودان، التي أعرف تفاصيلها جيداً، المدينة طبعاً جزء من البيئة السودانية، ومعروف أن بيئتنا فيها العربي والإفريقي، وتعدد وامتزاج الثقافات، فكنت ترى جاليات من أماكن بعيدة، استقرت هنا، وكونت حيوات كاملة؛ يوجد الهنود والإغريق، والأقباط الذين قدموا من مصر أيام الحكم الثنائي، سعياً وراء الثروات، وتحول بعضهم إلى الإسلام، وتزوج من السودان، وكونوا سلالات سودانية، إذاً يوجد زخم شديد في هذه البيئة، توجد أساطير، وميثولوجيا غريبة، وحكايات لا تنتهي، ولأنني ابن تلك البيئة، فقد استفدت من كل ذلك، وكتبت أشياء كثيرة.

وماتزال أشياء كثيرة لم تدخل كتابتي، ودائماً ما أسأل عن التصاقي بهذه البيئة، على الرغم من أنني اغتربت كثيراً، وعشت في الخليج أكثر مما عشت في وطني، لكنني أقول دائماً، إن المكان الجغرافي الأول، بكل ما يملك من زخم، هو المصيدة الكبرى للمبدعين، يصعب التحرر منه، فالشخص حين يولد في بيئة معينة، ويتشرب طقوسها منذ البداية، تظل هاجسه، لكن لا مانع من التنويع، والكتابة عن أماكن أخرى عاش فيها المبدع فترة، أو مر بها وتنسم شيئاً من عطرها، وفي ذهني أفكار عن الخليج أودّ أن أكتبها.

• البداية كانت مع الشعر، ثم اتجهت للرواية… ما أسباب هذا التحول؟

– كنت أكتب الشعر منذ وعيت؛ أي منذ أن كنت طالباً في المرحلة المتوسطة، في أحد الأيام كنت أردد أغنية للمطرب زيدان إبراهيم، وأنا أقود دراجتي في شوارع مدينة الأبيض، وضاعت مني كلمات الأغنية، وأكملتها بأبيات من عندي، كانت فرحة كبرى حين اكتشفت بأنني قد أكتب الشعر، حافظت على ذلك الاكتشاف، وبدأت الإيحاءات تلاحقني، واستطعت في زمن وجيز، أن أصبح من شعراء الأغنية في المدينة، ثم واصلت الكتابة في مدينة بورتسودان، وانتشرت لي أغنيات عدة بأصوات مغنين كبار وصغار، على حد سواء، وفي مصر تعرفت إلى المكتبات الغنية بالكتب، واتسعت تجربتي وكتبت القصيدة الفصحى، ونشرت لي مجلات مهمة مثل (إبداع، والقاهرة)، كثيراً من قصائدي.

في عام (١٩٨٧م)، وأنا في السنة الأخيرة في الجامعة، كتبت روايتي الأولى (كرمكول) بتوجيه من الكاتب عبدالحكيم قاسم، الذي تعرفت إليه في القاهرة مع كثيرين ممن تعرفت إليهم، وأظنه التقط رائحة الحكايات في قصيدتي، ونصحني بالرواية، وكان أن نجحت (كرمكول)، إلى حد ما، بعد نشرها واستمرت كتابة الرواية حتى الآن. حقيقة لم أتخل تماماً عن الشعر، هو يرافقني حتى الآن في ما أكتبه من نثر، وأحياناً في شكل قصائد، أكتبها داخل الروايات. ولو راجعت تجربتي، لوجدت صوراً شعرية مكثفة، موجودة أو مضافة إلى لحمة السرد، إنه طابع تميزت به كتاباتي، ولا بد أن أشكر الشعر على تبنيه تجربتي السردية.

• ماذا تعلمت من الكاتب الكبير الطيب صالح، خاصة في ظل وجود قرابة تجمع بينكما؟

– الطيب كان رجلاً يشبه اسمه كثيراً، رجل طيب، يصغي أكثر مما يتحدث، ويلتقط كل شاردة وواردة، كنت دائماً فخوراً به، وبأنه خالي، وأمي كانت دائماً تفخر به، وتذكر في كل المحافل أنها أخته، حين كنت صغيراً شاهدته مرة واحدة، في عزاء جدي (والده)، في قريتنا في الشمال، ثم توطدت صداقتنا، كنت ألتقيه يومياً، نتناول الغداء معاً، ونحكي كثيراً، وأريته تجاربي المبكرة، وقال لي استمر في الكتابة، ثم حين قرأ لي (مهر الصياح) عام (٢٠٠٢م) بدا منبهراً بها، وقال لي، الآن كتبت روايتك، وكان ذلك تشجيعاً كبيرا على الاستمرار، هو حقيقة لم يقدمني لأحد، وأنا فضلت ذلك، أي أن أنجز وحدي، وكان للمثابرة والاستمرارية دور كبير في نجاح التجربة.

• عملك كطبيب.. إلى أي مدى أثر في أعمالك الابداعية، ويظهر ذلك في روايات مثل (إيبولا 76)، و(سيرة الوجع)؟

– عملي كطبيب أفادني بلا شك في العثور على الشخوص والحكايات، والصبر أيضاً، (سيرة الوجع) استوحيتها من أيام عملي في منطقة طوكر وقرورة، على الحدود الإريترية، حكايات كثيرة جمعتها من هناك، وشخوص كثيرون التقيتهم، وتفاعلت معهم، ونقلت بعضهم إلى الكتابة، أما رواية (إيبولا ٧٦)، فقد كتبتها فعلاً بإيحاء من مهنتي، وأرّخت فيها للهبة الأولى من مرض الحمى النزيفية، التي يسببها فيروس إيبولا، وكانت حدثت في الكونغو، وجنوبي السودان عام (١٩٧٦م)، أيضاً أتاح لي احتكاكي بالأمراض، أن أخترع أمراضاً وأدوية لها، وتجد ذلك في روايات مثل (رعشات الجنوب)، و(مهر الصياح)، و(توترات القبطي)، وكذلك وجدت أن المهنة الطبية داعم كبير للعمل الإبداعي.

• كتبت عن المهمشين في رواية (366)، وكتبت عن المرأة في رواية (زهور تأكلها النار)، وكتبت عن التاريخ… لو تحدثنا عن المشروع الخاص بك ككاتب، وما هي ملامحه؟

– مشروعي قائم على شيئين، أولاً، الهوية التي لا أملُّ من تأطيرها، هويتي وهوية بلادي، وثانياً، الإنسان الذي أكن له كل الاحترام، خاصة الإنسان المنسي، المستعبد، والضائع تحت سياط الفقر، مشروعي قائم على ذلك منذ تعرفت إلى الكتابة، وسأظل أكتب في ذلك الشأن، أيضاً أحب المعرفة، وأستثمرها في كتابتي، والتاريخ الذي أكتبه، فيه كثير من الإسقاطات على الحاضر.

• ترجمت أعمالك إلى العديد من اللغات منها؛ الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، ماذا تعني لك الترجمة؟ وهل يعني هذا أن الأدب السوداني تحت دائرة الضوء؟

– ترجمت حتى الآن لعشر لغات تقريباً، وقد نجحت لي روايات عديدة في لغات أخرى، مثل الفارسية والإيطالية والإنجليزية، وأظن أن الترجمة فرصة طيبة للعثور على قارئ جديد، ربما تكسبه ويسعى إلى ترجماتك، كثيرون يرون عكس ذلك، لكن عموماً أكتب لقارئ عربي، وإن ترجمت إلى لغات أخرى لا بأس، هو ليس هدفاً ولكنه إضافة للتجربة. بالنسبة للأدب السوداني، فهو مثله مثل الآداب العربية الأخرى، حصد شيئاً من الانتباه، ومازال الدرب طويلاً.

• ماذا عن الجوائز الأدبية، وماذا تعني لك ككاتب؟

– الجوائز الأدبية لا ينبغي أن تكون هدفاً، لكن وجودها مبهج وضروري، والذي يحصل عليها يحس بطعم الكتابة، أنا أكتب قبل ظهور الجوائز وبعدها، وحصلت على نصيبي منها، ولكن لا أكتب مثل البعض من أجل الحصول عليها. أيضاً من فوائد الجوائز التشجيع على القراءة، ومعروف أن قوائم الجوائز السنوية توضع في أولويات القراءة سنوياً. لذلك لا أحبذ مقاطعة الجوائز التي يدعو لها البعض، تحت أي ظرف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.