الخرطوم: فيوتشر21
تعتبر رواية الكاتب السوداني الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال” من أهم روايات القرن العشرين العربية. فلماذا فضّل كلمة هجرة على كلمة رحلة في عنوان روايته؟ فالنتينا فينه تعرض لموقع قنطرة تأملات البروفيسور روبرت إروين في أسلوب تعامل الطيب صالح الفريد مع الثقافة الغربية، وسرده المضاد للخطاب ما بعد الكولونيالي، والمضاد لرواية “قلب الظلام” المتمحورة حول فكرة عنصرية: شعوب “متحضرة” وأخرى “متوحشة”.
نُشِرت رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال” أولاً في عام 1966 وقد اعتبرتها أكاديمية الأدب العربي أهم رواية عربية في القرن العشرين. وفي محاضرة هذا العام لجائزة سيف غباش بانيبال لترجمة الأدب العربي، يتأمل البروفيسور روبرت إروين الأسلوب الفريد للطيب صالح في التعامل مع الثقافة الغربية والسرد المضاد الذي يقدمه للخطاب ما بعد الكولونيالي.
غالباً ما فُسِّرت رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال” بوصفها سرداً مضاداً لرواية “قلب الظلام”، ولا يرجع ذلك إلى الإشارات المتكررة لكتاب كونراد فحسب، بل أيضاً لاستكشافها شرور الكولونيالية والتجربة عبر الكولونيالية، وهو ما تشترك به الروايتان.
علاقات غرامية متعددة مع نساء إنكليزيات
ورغم ذلك، وبتجاوز الحبكة، سيجد القارئ قاعة كاملة من المرايا، تُحيل إلى الأعمال الأوروبية ومؤلفيها: فكتاب صالح هو في حوار مباشر مع شكسبير بسبب حالات الموت التراجيدية، والحب غير المتبادل، وقضية اللون، ومع أوسكار وايلد للسلوك المتماثل لدوريان غراي ومصطفى، وهو الشخصية الرئيسية التي تتسلّى بعلاقات غرامية متعددة مع نساء إنكليزيات وتُسبّب موتهن
وقد بيّن البروفيسور روبرت إروين، الخبير في أدب “الليالي العربية” ومؤلف “الكابوس العربي” (1983)، كيف أنه من السهل رؤية كتاب “موسم الهجرة إلى الشمال” بوصفه كتابا سياسيا. ومع ذلك فإن ما يجده مثيراً للاهتمام بشكل خاص هو كيف أن الرواية هي أيضاً انعكاس لنفسها، بقصته ضمن القصة.
يقول إروين: “من خلال رواية قصة سردية أخرى، تحقق السردية الأولى موضوعها الأساسي وفي ذات الوقت، تتأمّل صورة نفسها”. بهذه الطريقة، تتصل موسم الهجرة بـ “الليالي العربية”. ومن خلال سرد قصة مصطفى، ينجو محمد، تماماً مثلما تنجو شهرزاد من تقاسم ذات مصير نساء شهريار السابقات
وربما التلميحات الأدبية في “موسم الهجرة” لا نهاية لها. كما أنه لا يمكن إلا ملاحظة تأثير فانون وفرويد. غير أن هناك شيئا واحدا مؤكدا، فالطيب صالح، الذي كان على دراية جيدة بالفكر والأدب الإنكليزي، لا بد أن يكون قد استمتع بلعب هذه اللعبة مع الأعمال الأوروبية، من دون أن يُظهر أبداً أي احساس بالإخضاع أو الدونية. وبدلاً من ذلك، نحصل على انطباع بأنه، من خلال لعبة الأدب هذه، يدعونا المؤلف إلى إعادة النظر في تلك الروايات وقراءتها في ضوء جديد
المصدر:قنطرة