الطاهر ساتي: هذا الحاكم الفاشل.. باقٍ على مقابر الضحايا

:: كالعهد بهم دائماً، لا يتحسبون للكوارث بحيث لا تحدث، بل ينتظرون حدوثها، ليسارعوا في تخديرها باجتماع هنا وبيان هناك.. وعلى سبيل المثال الراهن، بعد كوارث النيل الأزرق، اجتمع مجلس الأمن والدفاع وقرر تعزيز القوات العسكرية بالنيل الأزرق، مع الوعيد بالتعامل الحازم مع حالات التفلت والاعتداء على الأفراد والممتلكات، ثم توجيه النائب العام بتشكيل لجنة تحقيق، ثم محاسبة ما أسموه بمثيري الفتنة والمحرضين.. لا جديد، أي هذا ما يحدث عقب كل (داحس وغبراء)..!!
:: لو كان ما يقرره مجلس الأمن والدفاع – عقب كل داحس وغبراء – حلولاً، لما تكررت الكوارث وانتشرت كما يحدث حالياً، ولكن ما يقرره المجلس بمثابة استراحة لصناع الكوارث وتخدير للرأي العام.. والشاهد، ما حدث بالنيل الأزرق لم يكن مفاجئاً لمجلس الأمن والدفاع، فمنذ أشهر تجتمع أطراف الصراع هناك، ومنذ أشهر كان هناك التهديد والوعيد وكل مقدمات وعلامات الاحتراب.. ومع ذلك لم يُحرك مجلس الأمن والدفاع ساكناً، بحيث لا يحدث الاحتراب، بل انتظر حدوثه، ليمارس هذا التخدير..!!
:: ثم الأدهى والأمر، توجيه حاكم إقليم النيل الأزرق، الفريق أحمد العمدة بادي، كافة الأجهزة بأن تضرب – بيد من حديد – على كل المتفلتين ومثيري العنصرية والكراهية والفتن بالإقليم، موضحاً: (ستحسم الفوضى والعنف قانونياً وأمنياً)، حسب وكالة سونا.. لو كان هذا الحاكم يعرف معنى أن يكون الحاكم مسؤولاً، لبادر بتقديم استقالته قبل غروب شمس الاثنين الفائت، ولكن الحاكم لا يعرف معنى المسؤولية، ولذلك آثر البقاء – على مقابر الضحايا – حاكماً..!!
:: لقد وصف حاكم النيل الأزرق ما حدث بالفوضى، وحسم الفوضى يجب أن يبدأ بإقالته.. فالفوضى الحقيقية هي عجز الحاكم عن منع (الاحتراب القبلي)، ثم فشله في وقاية الناس من مخاطر الاحتراب.. فالحاكم لم يتفاجأ بالاحتراب، بل ظل يرصد ويتابع – ويتفرج – على كل مراحل ما قبل وقوعه، ولم يفعل أي شيء يحول دون الوقوع، وهذا يعني أنه (حاكم فاشل).. ولجنة التحقيق التي شكلها سيادته، أو النائب العام، يجب أن تبدأ التحقيق بهذا الفشل، وإن كانت ثمة محاسبة فيجب أن تبدأ بمحاسبة الحاكم..!!
:: وعلى كل حال، كما ذكرت بالأمس، فإن الدول ذات الأنظمة الراشدة هي التي تحتكر السلاح والقانون بواسطة مؤسساتها (فقط لا غير)، ثم تدع بقية السلع للمجتمع المدني.. ولكن النهج المتوارث في بلادنا، في كل العهود والأنظمة، هو أن النظام يحتكر كل السلع، ويدع الأسلحة وقانون الغابة للمجتمعات، ولذلك يحدث التطاحن القبلي بين الحين والآخر.. ومن أهم معايير تصنيف الدول الفاشلة هو عجز السلطة الحاكمة عن احتكار السلاح والقانون..!!
:: والمؤسف، رغم وضوح أسباب الاحتراب القبلي، لا تفكر حكومات السودان، العسكرية منها المدنية، إلا في الحلول التي تجدد الاحتراب.. وكالعهد بهم عقب كل تطاحن قبلي، ستشهد النيل الأزرق في مقبل الأيام مؤتمرات صلح، جلاليب وعمائم، تهليل وتكبير، دفع الديات، ثم تصريحات رومانسية عن العلاقات الأخوية بين داحس والغبراء، ثم تشتعل حروب أخرى، في ذات المكان أو أمكنة أخرى، لأن تلك الحلول كانت محض تخدير مراد بها دفن آثار المعارك، وليس دفن الأسباب..!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.