مقالات| عبدالحفيظ مريود يكشف السر.. ليه ياسر عرمان شديد؟

عبدالحفيظ مريود

المرة الوحيدة التى صافحت فيها د. جون قرنق كانت فى رمبيك. عام ٢٠٠٥م، قبل أيام من وصوله الخرطوم، وتأديته القسم، نائبا أول لرئيس الجمهورية. كانت مفوضية الدستور قد نقلت جلساتها إلى رمبيك، لبعض الوقت. للتأكيد على واقعية السلام، بالطبع. كنا وفدا إعلاميا كبيرا، مهمته نقل الوقائع و ” التطبيع” مع الحركة الشعبية، من عاصمتها رمبيك، التى لم يدخلها الجيش السودانى منذ ثمانينات القرن الماضى، مثل كاودا، تماما..
كان رجلا قوى البنية، قوى الشخصية، مؤكد. على هامش ذلك، كان علينا أن ندخل د. جون قرنق فى حوار مباشر مع، عبر الأقمار الاصطناعية، لصالح تلفزيون السودان..يستضفهما الزميل الزبير عثمان أحمد : على عثمان محمد طه، من داخل الأستوديو، وقرنق من عاصمته، رمبيك..
جهزنا قاعة الفندق المتواضع، للنقل. سيكون قرنق بالداخل، معه المصوران، فيما نصبت إدارة الفندق شاشة بالخارج، أمام القاعة وصفت الكراسي ليتابع قادة الحركة الشعبية المتواجدين، مجريات الحوار، عبرها. وكان بينهم ياسر عرمان.
شايف كيف؟
فيما بعد، وإنطلاقا من مصافحتى للرجل، تلك، تثبت من أن أرملته، السيدة ربيكا لم تكن تبالغ، فى حديثها عندما أتاها نبأ سقوط طائرته القادمة من كمبالا. فقد قالت إنها سألت بعد وصول الخبر ” كم يلزم الرجل، من حيث سقطت الطائرة، للوصول، راجلا إلى نيو سايد؟”..قالوا “خمس ساعات”..وحين انقضت ثلاث ساعات، ولم يظهر د. جون، (تنطق اسمه بطريقة ملؤها الحب، لدرجة تثير غيرتك)، تأكدت أنه مات…ذلك أنه إذا كان “الرجل العادى سيستغرق خمس ساعات للوصول، راجل…فإن د. جون سيقطع المسافة فى ثلاث ساعات، حبوا”..فالرجل كان قوى البنية، يطبق على كفك، فتظن أنها قبضة أسد..
شايف؟
المهم…
حين سأل الزبير عثمان أحمد السؤال الأول، وبدأ الأخير الرد، كان ياسر عرمان مثل طفل صغير سمح له، أخيرا، بقيادة الدراجة ثلاثية الأرجل. كان فرحا لدرجة مربكة..قام من مقعده أمام شاشة العرض، وجاء – شبه مهرول – إلى مقعد د. منصور خالد، الذى كان – كعادته – هادئا، ثقيلا، مثل “جبل مرة”، كما غنت الجعلية، “تشكر” البرناوى، فى أغنية عمر الحوارى، “يا دكتور….بعد دا مافى أى زول ح يفتح خشمو…نحن كدا خلاص…الأمور واضحة تانى”…
كنت – كعادتى – “أتلصص السقيا، من فارغ الأكواب”، كما قال الشاعر الفحل أحمد الغالى، ثم إنو “قلبى عليك يمور، يا قارب البلور”، أحيييييييا انا…
ما تتكلم، تقطع فى زول، تغمز لفتاة، تعزل ورقة من ربطة الخمسميات فى جيبك بحرفنة شديدة، تدردم سفة بالكروب، تلصق فخذك، ساقك، بفخذ أو ساق فتاة فى المواصلات، وأنا قاعد…بضبطك، بضبطك…الراصد الدولى، قال ليك…تقول لى المنذر؟!!
لو جرت أحداث السياسة على النحو الذى كان يسوقها إليه د. جون قرنق، لكان ياسر عرمان اليوم، نائب رئيس المؤتمر الوطنى للشؤون السياسية والتنظيمية. الفرحة تلك، والإنخراط الطفولى فى مفوضية الدستور، تقول إن الرجل قاعد على الهبشة..
كل شيئ يراه ظنه قدحا * وكل شخص رآه ظنه الباقى
شايف كيف؟
لذلك لا تقم وزنا لما يقول أو يفعل..يمكنه أن يتغير ويغير مواقفه، متى تم السماح له بقيادة الدراجة ثلاثية العجلات..فعقب السادس من أبريل ٢٠١٩م، كان لياسر عرمان تصريحات ملؤها حكمة، حتى أوشكت – شخصيا – على تصديقها..التصريحات التى تصب فى مصلحة البلاد وجمع الصف الوطنى، والعمل على بناء دولة المواطنة..وكرجل خبر الحرب، القتل والذبح، السلام، الإنفصال، سيطيب لك أن تتلقف توجهاته ك ” حكيم”..تقوده حكمته للبناء وجبر الكسور والتعافى، أكثر مما تقوده نزعات الطفولة للجرى وراء الأخضر والاصفر..” واحذر يا أحمد أن تكون مثل الصبى..كلما ….”، كما هو وارد فى أحاديث ووصايا ليلة المعراج، الواردة فى ” كلمة الله”…
شايف كيف؟
نزل إنتخابات ٢٠١٠م، منافسا للبشير، خرج مع ” الخوارج” عقب الانفصال، إنشق – هو وعقار – عن عبد العزيز الحلو، صار مستشارا سياسيا لحمدوك (لم يقبض أتعابه…وقرب يمشى مكتب العمل)، إنشق عن مالك عقار، أو تم فصله، مع الدين وضد الدين، مع العسكر وضد العسكر، مع الديمقراطية ومع الثورة (بالمناسبة: هل الديمقراطية والثورة ضدان)؟ ….وهكذا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.